مسرحية
فات الميعاد
المكان: محل أحذية
الزمن: الحالي
الشخصية: الجزمجي
المنظر:
- محل أحذية به مجموعة من الأرفف.. في الخلفية أحذية جديدة في "ڤاترينة" بسيطة.. كما يوجد "راديو" قديم برفٍّ
مجاور..
- على اليمين؛ توجد ماكينة خياطة صغيرة لخياطة الأحذية الحريمي، وخلفها كرسي
لها..
- على اليسار؛ ماكينة كبيرة..
- يوجد صندوق أحذية قديمة.. كما توجد منضدة عليها أحذية؛ مطلوبٌ خياطتها لزبائن..
- معلَّقٌ في سقف المحل؛ بعض الأحذية التي يزيَّن بها المحل، ومعروضة للبيع..
- في الوسط؛ يوجد كرسي، وأمامه قالب الأحذية..
(الجزمجي؛ رجل أربعيني.. شعره به شيب بسيط.. غير مهندم.. له لحية خفيفة..
يرتدي نظارة نظر)
البداية:
(يُفتح الستار على المحل.. إضاءة خافتة، مع صوت الراديو بأغنية لـــ "أم كلثوم")
صوت الراديو: (عايزنا نرجع زي زمان..
قول للزمان ارجع يا زمان)
(يدخل الجزمجي، يضيء نور المحل، ثم يأخذ فوطة؛ ويقوم بمسح وتنفيض التراب من
على الأحذية والماكينات، ويغني مع الأغنية في الراديو)
(معه ورقة؛ ملفوفٌ بها "سندوتشان" فول..
يأكلهم مع لحظات الغناء)
(ثم يجلس بعد الأكل أمام قالب الأحذية في الوسط)
الجزمجي: (يمسك بأحد الأحذية، ويضعها على القالب).. بسم الله.. يا فتاح يا عليم يا
رزاق يا كريم..
استعنا ع الشقا بالله..
(يقوم بضرب وتوسيع الحذاء على القالب لثوانٍ.. ثم يُخرِج الحذاء وينظر إليه.. تتكرر العملية مرتين)
الجزمجي:
ما هي الجزم زي أصحابها.. جزمة نحس.. سبحان الله.. زبون وشه عِكِر.. والله بابقى عارف الجزم اللي
هتنفع تتصلح، واللي مش هتنفع؛ من وش الزبون.. تلاقي زبون عليه
غضب ربنا..
وينفخ ويفشّ؛ كأني أنا اللي قطعت له الجزمة..
أنا مال أمي أنا.. وبعدين تحس إن
الواحد شغال عنده.. عشان كده بتبقى ليلة طين.. المفروض يبقى عارف إن دي خدمة؛ بناخد
قصادها فلوس..
الله يمسِّيك بالخير يا أستاذ فهمي.. هو اللي فهِّمني
الحوار ده.. بابقى عايز جِزَمه
كلها تبوظ؛ عشان ييجي يقعد ويتكلم معايا.. وفي نفس الوقت؛ باقول ربنا يسترها معاه.. أهو زبون زي أستاذ
فهمي ده؛ يدخل بجزمة متدمرة؛ ووشه سِمِح، ويكلِّمك بهدوء، وتقول له تمن التصليح؛
يقول لك: موافق، وربنا يكرمك.. تلاقي الجزمة بقت
عروسة.. كأنها لسه مولودة
جديد.. ما هي الجزم بتتولد
زينا بالظبط..
لغاية ما ييجي أجلها بقى وتخستع..
(ينظر للجزمة) شكلها كده مش هتتظبط.. ما أصل زبونها ده
مش فارق معاه أي حد في الشارع.. بيعامل جيرانه كأنهم كراسي قهوة.. (ينظر للجزمة)
ياعم قول سلام عليكم.. السلام لله.. والنبي وصى على سابع جار..
لكن تقول لمين.. راجل جزمة صح.. مع إن _والله_
الجزم أحلى.. دا أنا كده باغلط في الجزمة.. الجزم دي بتستحمل
بني آدمين تنحة..
الله يرحمك يابا.. أول حاجة علِّمها لي؛ إن الجزمة زي
البني آدم.. تستحملك لو انت
راعيتها.. وتبوظ لو انت ما
اهتميتش بيها..
وتوقَّعك لو انت عاملتها وحش.. كنت أقعد أضحك...
كنت فاكره بيهزر
معايا عشان أشتغل وأنا مبسوط.. ما كنتش أعرف إن الجزم بتحس زينا بالظبط.. أهو لو قلت الكلام
ده لزبون؛ هيفتكرني مجنون ومايجيش هنا تانى (يضحك)..
الوحيد اللي قلتله
كده؛ أستاذ فهمي.. كنت فاكره هيضحك ويتريق عليا.. لقيته بيقول لي: كلامك صح 100 %..
من ساعتها الواحد
نفسه مفتوحة للشغل.. وحَبّ الشغلانة.. (يمسك الجزمة) حتى لو قابل جزم تخنقه (يضعها بجواره)..
(يقف، ويذهب إلى منضدة؛ عليها أحذية للتصليح.. يفحص الأحذية)
الجزمجي:
الواحد يصطبح بجزمة حلوة تخفف عنه الشغل..
(يمسك بجزمة حريمي)
أهي الجزمة دي؛ متأكد إن صاحبتها ذوق، وبتحترم الناس؛ حتى لو ما قابلتهاش.. لأن واضح إنها
محافظة عليها وما هانتهاش..
الله يرحم فؤاد
المهندس لما كان بيقول (يقلد فؤاد المهندس): مدام.. بوز جزمتك يدل على
أنوثة طاغية (يضحك)..
(يأخذ الجزمة، ويذهب بها إلى الماكينة الصغيرة لخياطتها)
الجزمجي:
أهو الفيلم ده؛ أكيد اللي كتبه جزمجي.. أو على الأقل واحد زي أستاذ فهمي.. محترم، وبيحترم
عقلية اللي قدامه..
(يخيط الجزمة) يا سلاااام.. آخر حلاوة.. أهي خلصت في ثواني..
(يذهب لاختيار حذاءٍ آخر.. ويقوم بالمقارنة)
الجزمجي: (يمسك بأول جزمة) أهي دي جزمة شاب
كسول، وما بيشتغلش.. لأنها مترَّبة، وحالتها بالبلا، ومش بينضَّفها..
(يمسك بأخرى) دي بتاعة واحد نزيه..
(يمسك بأخرى) ودى بقى بتاعة واحدة مهتمة بنفسها، وبتحب
الشياكة..
(يمسك بحذاءٍ رجالي؛ لكن بتأثر.. مع نزول موسيقى.. يأخذها ويجلس على الكرسي)
الجزمجي:
دى بقى بتاعة واحد بيحب المظاهر.. قلبه حجر.. وناكر للجميل.. جزمة دكتور عبد
الله.. أخويا..
بَعَتها لي مع
السواق بتاعه..
دكتور عبد الله من ساعة ما اشتغل وفتح عيادة من 16 سنة.. ما جاش هنا المحل..
وييجي ليه؟!!.. أهو كان بييجي ياخد
مصروفه، وفلوس الكلية من أبويا..
وبعد كده بطَّل
ييجي.. الدكتور ماجاش
يتطمِّن على أبوه من ساعة ما اتجوز وفتح عيادة.. وبقى يستعرّ يقرب
من الشقة اللي في الدور الأرضي؛ اللي دايمًا المجاري مش مفارقاها.. خايف حد من الزباين
يعرف؛ إن الدكتور عبد الله حسن.. هو نفسه إبن حسن الجزمجي؛ اللي فضل لابس
نفس اللبس 12 سنة.. ما اشتكاش ولا قال
آااه.. وكل ده عشان يعرف
يصرف عليه، ويطلعه أحسن من الناس..
كان يقول لي: أخوك ده اللي هيسندك لما تكبر.. إنت معاك صنعة، وهو
متعلم.. وتكمِّلوا بعض..
أهو بعد ما مات
أبونا؛ ماشفتوش إلا صدفة.. مرة وحيدة بس اللي ماشفتوش صدفة.. كانت المرة اللي
اتكلم فيها عن الورث.. لقيته جاي؛ ومعاه كل أخواتي.. ولما عاتبته إنه مقصر معانا؛ رد ببجاحة؛
إن كلنا مقصرين في حق أبونا..
(بحزن).. كلنا...
(يمسك بالجزمة،
ويحدثها كأنها أخوه)
الجزمجي: لاااء مش كلنا.. ولما تيجي تتكلم عن
التقصير؛ ما تجمعنيش معاكم.. أنا طول عمري جنبه، وعمري ما فارقته.. طول عمري قاعد في
الورشة معاه..
لا عمري اشتكيت، ولا قلت لأ..
(ينظر للجزمة).. طول عمره بيعاملني على إني الكبير اللي لازم
أورث المهنة من بعده.. سِبت المدرسة من إعدادي عشان نجيب لكم
الفلوس..
عشان تعرفوا تكملوا تعليمكم.. وأولهم انت...
الجزمجي: (في غضب مع بكاء)..
دروس الثانوية كلها، وفلوس الجامعة، واللبس اللي كنت بتتباهى بيه قدام زمايلك.. أنا اللي تعبت
وسهرت في الورشة عشان تجيبه.. كنت باستحمل تريقة أصحابي على القميص اللي
كنت باغيره كل أسبوعين؛ عشان أشوفك لابس قميص جديد..
وأقول لهم: بصوا.. أخويا في كلية الطب... وأختك وجهازها.. اللي فيه حاجات
لغاية دلوقت؛ قسطها لسه ماخلصش.. أكلكم، وشربكم، ومصاريفكم طول عمركم.. أنا اللي متكفل
بيها؛ أنا وأبويا..
( ينهار..
ويجلس على الكرسي؛ ممسكًا بالجزمة..
ثم يحضن الجزمة)
(لحظات صمت)
الجزمجي: (بحزن) أهو الواحد عرف إن
الجزم أحسن من البني آدمين عن تجربة.. عمركم شفتم جزمة بتتكبر على اللي صانعها؟..
عمركم شفتم جزمة بتمشي وتسيب صاحبها؟.. عمركم شفتم جزمة
بتخون؟.. جزمة بتكدب؟.. جزمة بتغش؟.. جزمة بتقتل؟.. جزمة بتسرق؟
(ينظر لكل الجزم
في المحل ويخاطبهم)
الجزمجي: عارفين يا جزم؟.. لما هازعل منكم، وأكره الشغلانة، وأشتمكم؛
هاقول لكم إيه؟!!
(يقف في منتصف
المسرح)
الجزمجي: هاقول لكم: يا شوية بني آدمين...
(يرتفع صوت
الراديو؛ على جزء من أغنية أم كلثوم.. بينما تنسحب الإضاءة)
صوت الراديو: بيني وبينك؛ هجر وغدر وجرح في قلبي داريته...
إظلام
تمت بحمد الله